ألهمت مدينة (غرداية) الواقعة على ضفاف وادي ميزاب السياحالجزائريين والأجانب كما انها تعد بوابة الصحراء الجزائرية حيث تقع على مسافة 680كيلومتراً جنوبي غرب العاصمة.
وأرجع سكان منطقة الزاب اهتمام السياح بالمنطقة إلى كونها مدينةليست ككل المدن الجزائرية لقد كانت الاجابة مفاجئة ومثيرة للاهتمام أولها اسم مدينةغرداية وثانيهما اللهجة التي يتكلم بها نصف السكان المقيمين فيها وثالثهما العاداتالمترسخة في المدينة منذ أكثر من نصف قرن.
واتضح ان أصل تسمية مدينة غرداية ان المدينة حملت أكثر من تسمية منبينها تاغردايت وهي كلمة بربرية وتعني الأرض التي يحيط بها الماء وتسمية غاردايةوتعني الغار أو الكهف الذي كانت تتعبد فيه امرأة اسمها داية.
وقال أستاذ علم الاجتماع غبريني أحمد لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إنه رغم اختلاف التسميات احتفظت بتسمية (غرداية) في التقسيم الاداري كمايقال لها بني ميزاب حيث توجد غرداية في سهل وادي ميزاب.
مدخل مدينة غرداية
وصنفت المدينة عام 1982 كمعلم تاريخي ومكسب للحضارة الانسانية منطرف اليونسكو وهذا بفضل الهندسة المعمارية الفريدة من نوعها في الجزائر.
وتختلف غرداية عن جميع المدن الجزائرية حيث تتشكل من سبعة قصورحملت تسميات عربية وبربرية وهي (العطف أو تجنينت) و(بنورة أو أث بنور) و(وسط غردايةأو تغردايت) و(بني يزقن أو أث ييزجن) و(مليكة او أث امليشيت) و(القرارة) واخيرا قصر (بريان).
وما يميزها طريقة التحكم في زمام الأمور في هذه المدينة المنقسمةبين الأعيان لكلا الفرقتين الميزابيتين والعرب من فرقة (الشعانبة).
وما نلاحظه في منطقة (بني ميزاب) استعمال اللهجة (الميزابية) المحلية من طرف نصف سكان المنطقة إلى جانب اللغة العربية.
وتعتبر اللهجة الميزابية من بين اللهجات المستعملة في الجزائر فضلاعن اللهجة القبائلية والشاوية والترقية والشنوية والشلحية وهي منحدرة من اللغةالأمازيغية (البربرية) لغة السكان الاصليين في الجزائر.
ولكن رغم اختلاف اللهجة فارتباط السكان جد وثيق فيما يتعلق بعاداتمترسخة إلى يومنا هذا جعلها تستقطب عشرات الآلاف من السياح سنويا.
ومن بين العادات المتجذرة في المنطقة احياء العرس الجماعي مرتين فيالسنة وعرفت به المنطقة على خلاف مناطق البلاد.
وأكد الشيخ محمد الصمد ترباش وهو من بين سكان المنطقة أن غردايةتشتهر بإحياء العرس الجماعي وأصل نشأة هذه العادة التي ترسخت بشكل كبير في المنطقةتعود إلى سنة 1962 أي بعد استقلال الجزائر.
وقال ترباش ان العادة ترجع إلى ايام الثورة التحريرية حيث سافر 16طالبا من مدينة غرداية نحو تونس لمواصلة الدراسة هناك وبعد استقلال الجزائر رجعواإلى مسقط رأسهم غرداية وفكروا في الزواج ونظراً لإمكاناتهم القليلة قرروا إقامة عرسجماعي ومنذ ذلك التاريخ أصبحت العادة متداولة بين سكان المنطقة.
واوضح انه في البداية كانت الأعراس تنحصر في العشيرة ولكن نظراللظروف الإقتصادية وغلاء المعيشة في أيامنا هذه توسعت الفكرة وتطورت لتتعدى حدودالعشيرة وصلة القرابة حيث اقتنع المجتمع الميزابي بالفكرة نظرا لنجاعتها حيث تحملبعدا اجتماعيا كالتضامن والتعاون بين السكان وتحفيز الشباب على إكمال نصف دينهموبعدا اقتصاديا من حيث النفقات المحدودة للعرس الجماعي.
وقبل إحياء العرس يقوم مجلس العزابة وهو مجلس يمثله شيخ كل قرية منقرى وادي ميزاب السبع بتحديد قيمة صداق العروس في المسجد ويراعى في تحديد قيمتهالامكانات المادية للشخص ويتمثل في ألبسة تهدى للعروس وقطع ذهبية ومبلغ من المالمناديل واقمشة وأحذية واشياء اخرى.
وعندما تتم الموافقة على الخطبة من طرف ولي العروس يتقدم العريسبهدية متواضعة لعروسه وبعد تحديد موعد الزفاف الجماعي من طرف (مجلس العزابة) تبدأالتحضيرات ثلاثة ايام قبل العرس. ومن يذكر مدينة غرداية لا يمكن ان يمر مرور الكرامدون ان يتذكر أحد أعمدة الثقافة الجزائرية شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا الذيانجبته مدينة بني يزقن وهو صاحب إلياذة الجزائر وكاتب النشيد الوطني الجزائري (قسما).
عناصر الهويةالعمرانية
من خلال الدراسة التاريخية لنمو و تطور المدن بمنطقة واد ميزابيمكننا استخراج عدة مباني و معالم و كذا عناصر عديدة بإمكانها أن تشخص و تحددالهوية العمرانية المميزة لمنطقة واد ميزاب و هذه العناصر هي :
المدينة.
vالمسجدالمنازلvالسوق.vالأبراج و المنشآت الدفاعية.vالنسيجvالعمراني للقصر.
الواحهv
1- المسجديراعى في مساجد مْـزابالبساطة و التقشف و الإبتعاد عن كل ما قد يشغل المصلي عن الخشوع في عبادته ، حتىالمحراب فإنه خال من أي زخرفة ، حتى في المساجد المبنية حديثا ، و هذا التزامابتعاليم الشرع الإسلامي .
و من أهم مميزات المسجد المزابي ، المئذنة ، التييتخذها المزابيون عادة رمزا لهم نظرا لتميزها ، و قد اختارتها الشبكة المزابية رمزاكذلك .
إن المئذنة المزابية من أهم ابداعات المهندس المزابي ن و قد استطاع أنيصدر شكلها إلى عدة مناطق في الشمال الإفريقي ، حتى المناطق الشمالية للنيجر و مالي .
تنتصب المئذنة على شكل هرمي مقطوع ذي قاعدة مربعة ، على سبيل المثال فإن مئذنةتغردايت بها 122 درجة ، علوها 22 مترا، عرض قاعدتها 6 أمتار ، و عرض أعلاها متران ،سمك جدرانها يتناقص من متر واحد إلى 30 سم .
بجانب المسجد تقع الميضأة و محاضرتعليم الصبيان ، و فوقه المخازن و السطح و مقر اجتماعات العزابة الذي يسمى تامنايت .
تختلف مساحة و أهمية السطح من مدينة لأخرى ، حيث يعتبر سطح مسجد تيـﭭْـرار منأوسعها ، مما أكسبه أهمية و وظائف أكثر ، حيث يستقبل جموع المصلين في الأيامالصيفية الحارة ، في صلوات الفجر و المغرب و العشاء .
2- المنازلالمنزلهو العنصر الثاني في العمارة المزابية ، و هو العنصر الذي يظهر فيه خضوع المعمارالمزابي بشكل كامل للتعاليم الإسلامية السّمحة ، سنوضح خصائص المسكن المزابيالتقليدي بصفة عامة دون تفصيل المنازل المزابية التقليدية كثيرة التشابه ، مساحتهالا تتجاوز 100 متر مربع عادة ، تشتمل على طابقين و سطح ، و طابق تحت أرضي .
أولما يُـلاحظ عند مدخل المنزل هو العتبة ، و هي درجة صخرية متوضعة عند مدخل المنزلقبل الباب ، يبلغ ارتفاعها حوالي عشرة سنتيمترات ، هذه العتبة تقي الدار من دخولالأتربة الرملية ، و مياه الأمطار ، و الحشرات الضارة و خروج الهواء البارد أيامالحر الشديد .
يبقى باب المدخل عادة مفتوحا طول النهار ، إلا أن المار في الشارعلا يستطيع مع ذلك رؤية ما بداخل الدار ، نظرا لتصميم المدخل الذي هو عبارة عن رواقصغير ينتهي بحائط مقابل ، ليُـكَوّن المدخل إلى وسط الدار منعرجا .
عند تجاوزالمدخل الثاني تجد نفسك في رواق يسمى سقيفة ، به مقعد حجري منخفض بني للجلوس أمامالمنسج صيفا ، و رحى تثبت في أحد زواياه لطحن الحبوب ، و الجدير بالذكر أن المنزلالمزابي لا يحتوي على أثاث عادة ، حيث يكون أثاث البيت مبنيا .
من هذا الرواقتنقل مباشرة إلى وسط الدار المضاء بواسطة فتحة ( شـبّاك ) تصل الطابق الأرضيبالطابق الأول ( السطحي ) ، منها تنزل أشعة لشمس و يجدد الهواء ، و تعتبر هذهالفتحة بديلا عن النوافذ ، إذ أن المسكن المزابي يعتمد على الإضاءة العلوية ، ونادرا ما يحتوي على نوافذ ، و إن وُجدت ففي الطابق السطحي ، و تكون عبارة عن فتحةصغيرة في الحائط .
تُصَمـّم فتحات التهوية و الإضاءة بطريقة تجعل الساكن يستفيدلأطول وقت ممكن من أشعة الشمس ، خاصة شتاءًا .
تعتبر غرفة استقبال النساء " تيزفْري " أنسب موقع للجلوس حول وسط الدار ، هذه القاعة التي لا تكاد تخلو منها دارمزابية ، هي عبارة عن غرفة لها مدخل عريض نوعا ما ، لكنه بدون باب ، متجه نحوالقبلة أو نحو المغرب للإستفادة أكثر من الضوء الطبيعي ، غدوا و أصيلا .
هذهالقاعة لها دوران رئيسيان : أولهما إقامة المنسج الذي تصنع به الفرش و الملابسالصوفية ، ثانيهما أنها غرفة الأكل و سمر العائلة و استقبال النساء .
المطبخفضاء صغير مفتوح على أحد جوانب وسط الدار ، و لا تكون له غرفة مخصصة عادة ، و يتكونمن موقد حجري متصل بفتحة تهوية إلى السطح ، و تعلوه رفوف و أوتاد و بعض الكوات التيتستعمل لوضع لوازم و أواني الطبخ .
و يكون المطبخ ضمن وسط الدار بحيث لا تحسالجالسة أمام الموقد أنها في معزل عن باقي نساء الدار .
في إحدى جوانب وسط الدار، يقع مدخل غرفة النوم الخاصة بربة البيت ، و بجانبه تقع عادة طاولة مبنية تحتهاأواني الماء العذب و ماء الغسل .
بجانب مدخل وسط الدار ، نجد مطهرة و مرحاضا إلىجانبه مكان لربط المعزة التي تستر ما تبقى من فضلات الطعام ، و تجود بما تيسر منالحليب .
هذه المعزة كانت تنطلق كل صباح ( إلى وقت غير بعيد ) إلى حيث تتجمع فيهمع قطيع البلدة ، أين ينتظرها الراعي ، يخرج به في الشعب القريبة ، ليعود به بعدالعصر إلى مدخل البلدة ، أين يفترق و تتجه كل معزة إلى دارها ، معتمدة على ذاكرتهاالتي لاتخطئ عادة .
أما الطابق التحت أرضي المسمى بـ " الدّهليز " فالأدراجالمؤدية إليه تكون من مدخل الدار ، و هو مكان مكيّف طبيعيا ، حيث يكون باردا صيفا ،و دافئا شتاءا ، و يستعمل كمكان للنوم عادة .
يستعمل المِزابيون في بنائهمالأقواس ، و تحتوي الأقواس غالبا على كوات صغيرة ، تفيد كحوامل أو رفوف لوضع الآلاتالمضرة للصبيان و غيرها .
لا تزال معظم المنازل الواقعة خلف سور المدينةالمِـزابية محتفظة بنفس الطراز القديم السابق ذكره إلى الآن ، سوى بعض التعديلاتالبسيطة التي أدخلت عليها حديثا ، كالبلاط ، و الكهرباء و الغاز ، بينما تحتفظالبيوت الحديثة بأساسيات الطراز المعماري التقليدي إلى حد بعيد .
بعض القواعدالتي تحترم عند بناء المنازل :
هناك قواعد عامة و موانع في الفن المعماريالمزابي أصدرها مجلس عمي سعيد (قديما) يلتزم بها كافة السكان منها :
- أن علوالدار لا يفوق 15 ذراعا .
- لا يسمح بإقامة الجدار على حدود السطح من الناحيةالشرقية أو الغربية له كي لا يحرم الجار من ضوء الشمس ضحى و عشية .
- لايجوز إسناد الدرج إلى جدار الجار إلا بإذنه ، و كذا المستراح أو مرابط الدابة إلاإذا سبق أحدهما الآخر ، فلا حق للجار الجديد أن يلزم جاره بتغيير الوضعية السابقة.
- لا يحدث أحد نافذة مهما كانت مساحتها إلا برخصة من الجيران ليحددوا لهالمكان الذي يمكن أن يحدث فيه هذه النافذة أو الكوة.
- في كل مدينة يعيَّنأمينان في عرف البناء ، إليهما ترفع الشكايات فيما يتعلق بالبناء.
إن الوصفالسابق ينطبق على الدار الكاملة التي مساحتها نحو 100 متر مربع تقريبا . هناك عددكبير من المنازل أقل اتساعا ، و تسمى بنصف دار ، مساحتها نحو 50 مترا مربعا .
إنبني مْزاب لم يشيدوا منزلا في أي مدينة من مدنهم ، إلا و رئيس جماعة البلدة لايمتاز عن سواه لا في ملبسه و لا في مأكله و لا في سكناه ، و إن اتسعت داره فلكثرةعياله ، و هذا يدل ثانية على الروح الإسلامية التي أثرت على المزابيين في جميعجوانب حياتهم .
3- السوقأما السوق ، فقد زادت مساحتها لتصبح ساحةواسعة ، بعد أن كانت شارعا في الأنسجة المبدئية للمدن المزابية ، كما تطورت وظيفتهاالإجتماعية ، إذ كانت أول الأمر مكانا لتبادل المنتجات بين أهل المدينة ، و بينهم وبين قوافل البدو التي تقصد التجمعات السكنية للتجارة ، ثم أصبحت بعد ذلك تؤدي وظيفةاجتماعية أساسية ، إذ هي المكان العمومي الوحيد بعد المسجد ، الذي يمكن لأهل البلدةأن يجتمعوا فيه ، و يتبادلوا الأخبار ، و يتفقدوا أحوالهم يوميا ، و يستريحوا منتعب العمل ، بالإضافة إلى ممارستهم البيع و الشراء .
تختلف أشكال مساحات الأسواق، فإذا كانت سوق آت ايزجن غير منتظمة الشكل تحيط بها مقاعد مبنية ، فإن سوق تغردايتمستطيلة تحيط بها 98 قوسا متفاوتة الأبعاد ، طولها 75 مترا ، و عرضها 44 مترا